لا تزال قصص التاريخ وحكاياته تشكّل عنصرا جذابا للسائح عامة،الذي عادة ما يبحث في رحلاته ونزهاته عن البلدان أو المناطق التي تعبق بآثارها، ولعلّ بلدة إهمج اللبنانية هي خير مثال على هذا النوع من الوجهات السياحية التي، إضافة إلى ثرائها التاريخي والتراثي، تقدّم لزائرها برنامجا حافلا بنشاطات مسليّة وأخرى تثقيفية يتخللها أيضا جلسات قروية بحتة ما زالت شريحة لا يستهان بها من السياح تحبذها وتبحث عنها لندرة وجودها.
فإهمج التي تقع في جرود منطقة جبيل (شمال لبنان)، وتشكل منتصف الطريق ما بينها وبين البقاع وبعلبك (مرورا ببلدة العاقورة)، آثرت فيها بلديتها أن تعيد تأهيل 13 طريقا قديما تعرف بـ«القادومية» أو «طريق الأجر» يسلكها من يحب ممارسة هواية المشي في المسارات الضيقة المظللة بالأشجار، التي لكل منها قصة تروي بطولات ملك أو إمبراطور سبق، وسلكها في القرون الغابرة، والتي أيضا سلكها الأقدمون من أجدادنا، إما سيرا على الأقدام، أو ركوبا على الحمار، للوصول إلى الجهة المقصودة من قبلهم.
من بين هذه المسارات واحد يعرف بجبل حفرون وآخر بطريق البرج وثالث بقرنة الراهب ورابع باسم بكرتا وغيرها من الطرقات التي ما زالت تكتنز آثارا رومانية وأخرى فينيقية أو شهابية من خلال كتابات محفورة على صخورها، أو من خلال خرائب ومعابد ما زالت موجودة فيها.
ولا يكتمل المشوار إلى بلدة إهمج دون أن يعرّج السائح فيها على غابتها النادرة من أشجار العذر الشبيهة إلى حدّ كبير بأشجار القيقب (erable)، التي إضافة إلى غابات أخرى غنية بأشجار السنديان والأرز تشكل ثلثي مساحة البلدة، وهي جميعها بمثابة محميات صغيرة مسؤولة عنها وزارتا الزراعة والداخلية والبلديات لتبقى عليها كثروة حرجية أصبحت نادرة في أيامنا الحالية.
ومن المواقع الطبيعية التي ابتكرتها البلدة لزوارها مزرعة أبقار يمضي فيها الزوار وأولادهم لمدة 4 ساعات متتالية (وهي المدة المحددة من قبل البلدية) فترة مسلية وهم يتعرّفون إلى كيفية استخراج الحليب من هذه الحيوانات يدويا وبواسطة الماكينات الكهربائية، وكذلك يتعلمون كيفية صناعة الأجبان والألبان مباشرة، وهم يوجدون هناك عن طريق بسام متى صاحب المزرعة، فيرتدون الأقنعة والثياب الخاصة بهذه المرحلة لتجنب أي تلوث قد يصيب المنتجات من جهة، وأي اتساخ لثيابهم من جهة أخرى، ويقول بسام متى في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنه عادة ما يصل السياح أو الزوار إلى المزرعة وهم يعتقدون أنهم بالكاد سيمضون في أرجائها نحو الـ20 دقيقة على الأكثر، إلا أنهم وعندما يبدأون في المشاركة فعليا بالنشاطات المحضرة لهم من قبل المسؤولين فيها ينسون الوقت ويغادرونها قصرا، آملين أن يعاودوا الكرّة مرة ثانية، لا سيما أن الأولاد يقضون الساعة تلو الأخرى دون ملل وهم يتفرجون على حيوانات عدة يتم تربيتها هناك، أمثال الدجاج والكلاب والحمير، ومع هذه الأخيرة يتمتعون بأوقات مسلية وهم يركبون على ظهرها، فيقومون بنزهة طويلة داخل المزرعة فيها كثير من المتعة والبهجة والتسلية.
ولا يمكنك أن تزور إهمج دون أن تمكث لبعض الوقت في نزلها الريفي المعروف بـ«أرز إهمج»، فهناك باستطاعته ممارسة هواية النحت والرسم ورياضة كرة المضرب، وإضافة إلى إمكانية تمضية ليلة في النزل يعيش الزائر وقتا مميزا في الطبيعة في سهرة النار، التي يتعلم فيها كيفية صنع «المطمورة» هذه الوجبة اللذيذة المعروفة فيها بلدة إهمج، التي تتألف من البطاطا المشوية على الحطب والمغمسة بالزبدة والملح.
أما وجبات الطعام الأخرى التي يقدمها النزل، إضافة إلى «المطمورة»، فتتنوع ما بين وجبات الترويقة والغداء لتتألف من الجبنة والبيض البلدي كفطور ومن أطباق «اللوبياء بالزيت والمجدرة والمشاوي على الفحم والكوسى محشي» وغيرها من الوجبات القروية اللذيذة التي قلّما نتذوقها في أيامنا العادية والمحضرة والمصنوعة من خضار ولحوم طازجة وبلدية لا تدخلها أي مواد عضوية.
وتتضمن البلدة مركز معلومات فنية وثقافية يديره أشخاص مسؤولون مباشرة عن تنظيم هذه النشاطات بأجمعها، فيستطيع من يقصدها أن يتزود بلائحة مفصلة عنها تتضمن الكلفة المالية التي عليه أن يتكبدها لقاء القيام بها، التي لا تتجاوز الـ30 دولارا على الشخص الواحد أو أقل، فيما لو كان معه مجموعة كبيرة من الزوار، التي تشمل تكلفة الإقامة في النزل لليلة واحدة فقط.
ومن النشاطات الأخرى التي في إمكان الزائر ممارستها في بلدة إهمج، التي تبعد عن بيروت نحو 57 كلم وتعلو 1250 عن سطح البحر المشاركة في مواسم القطاف للتفاح والعنب والبطاطا وغيرها من المزروعات المشهورة فيها، التي ينسى خلالها الزائر همومه اليومية ومشكلات وضغوطات حياته الرتيبة التي يمضيها عادة في المدينة.
وكما في سائر البلدات اللبنانية السياحية، بإمكان زائرها أن يحمل منها القطع التذكارية فيقدّمها هدية أو يحتفظ بها، كالمشغولات اليدوية (مسابح وعلاقات مفاتيح وأطباق خشبية) أو منتجات طعام، وجميعها محضرة من قبل سكان البلدة، كـ«رب الرمان والكشك والمربيات على أنواعها» وغيرها، فتكون أفضل طريقة ليتذكر بها زيارته لهذه البلدة الغنية بمعالمها الطبيعية والأثرية على السواء.
بيروت: فيفيان حداد